saada
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كليلة ودمنة ( الجزء24)

اذهب الى الأسفل

كليلة ودمنة ( الجزء24) Empty كليلة ودمنة ( الجزء24)

مُساهمة  الزعيم الأربعاء أكتوبر 08, 2008 11:39 am

قال كليلة: زعموا أنه كان بأرض كذا تاجرٌ، فأراد الخروج إلى بعض الوجوه لابتغاء الرزق؛ وكان عنده مائة من حديداً؛ فأودعها رجلاً من إخوانه، وذهب في وجهه. ثم قدم بعد ذلك بمدةٍ؛ فجاء والتمس الحديد، فقال له: إنه قد أكلته الجرذان. فقال: قد سمعت أنه لاشيء أقطع من أنيابها للحديد. ففرح الرجل بتصديقه على ما قال وادعى. ثم إن التاجر خرج، فلقي ابناً للرجل؛ فأخذه وذهب به إلى منزله؛ ثم رجع إليه الرجل من الغد فقال له: هل عندك علم بابني: فقال له التاجر: إني لما خرجت من عندك بالأمس، رأيت بازياً قد اختطف صبياً، ولعله ابنك. فلطم الرجل على رأسه وقال: يا قوم هل سمعتم أو رأيتم أن البزاة تخطف الصبيان? فقال: نعم. وإن أرضاً تأكل جرذانها مائة منً من حديداً ليس بعجب أن تختطف بزاتها الفيلة. قال له الرجل: أنا أكلت حديدك وهذا ثمنه. فاردد على ابني. وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أنك إذا غدرت بصاحبك فلا شك أنك بمن سواه أغدر؛ وأنه إذا صاحب أحد صاحباً وغدر بمن سواه فقد علم صاحبه أنه ليس عنده للمودة موضعٌ: فلا شيء أضيع من مودةٍ تمنح من لا وفاء له، وحباءٍ يصطنع عند من لا شكر له، وأدبٍ يحمل إلى من لا يتأدب به ولا يسمعه، وسر يستودع من لا يحفظه؛ فإن صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر: كالريح إذا مرت بالطيب حملت طيباً، وإذا مرت بالنتن حملت نتناً، وقد طال وثقل كلامي عليك.
فانتهى كليلة من كلامه إلى هذا المكان وقد فرغ الأسد من الثور، ثم فكر في قتله بعد أن قتله وذهب عنه الغضب. وقال: لقد فجعني شتربة بنفسه؛ وقد كان ذا عقلٍ ورأيٍ وخلقٍ كريمٍ، ولا أدري لعله كان بريئاً أو مكذوباً عليه؛ فحزن وندم على ما كان منه، وتبين ذلك في وجهه؛ وبصر به دمنة، فترك محاورة كليلة، وتقدم إلى الأسد فقال له: ليهنئك الظفر إذ أهلك الله أعداءك. فماذا يحزنك أيها الملك? قال: أنا حزينٌ على عقل شتربة ورأيه وأدبه? قال له دمنة: لا ترحمه أيها الملك: فإن العاقل لا يرحم من يخافه. وإن الرجل الحازم ربما أبغض الرجل وكرهه، ثم قربه وأدناه: لما يعلم عنده من الغناء والكفاية، فعل الرجل المتكاره على الدواء الشنيع رجاء منفعته. وربما أحب الرجل، وعز عليه، فأقصاه وأهلكه، مخافة ضرره؛ كالذي تلدغه الحية في إصبعه فيقطعها، ويتبرأ منها مخافة أن يسر سمها إلى بدنه. فرضي الأسد بقول دمنة. ثم علم بعد ذلك بكذبه وغدره وفجوره فقتله شر قتلةٍ.

باب الفحص عن أمر دمنة

قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد حدثتني عن الواشي الماهر المحتال، كيف يفسد بالنميمة المودة الثابتة بين المتحابين. فحدثني حينئذٍ بما كان من حالة دمنة وما آل أمره إليه بعد قتل شتربة، وما كان من معاذيره عند الأسد وأصحابه حين راجع الأسد رأيه في الثور، وتحقق النميمة من دمنة، وما كانت حجته التي احتج بها؛ قال الفيلسوف: أنا وجدت في حديث دمنة أن الأسد حين قتل شتربة ندم على قتله، وذكر قديم صحبته وجسيم خدمته، وأنه كان أكرم أصحابه عليه. وأخصهم منزلةً لديه، وأقربهم وأدناهم إليه؛ وكان يواصل له المشورة دون خواصه. وكان من أخص أصحابه عنده بعد الثور النمر. فاتفق أنه أمسى لنمر ذات ليلةٍ عند الأسد؛ فخرج من عنده جوف الليل يردي منزله، فاجتاز على منزل كليلة ودمنة. فلما انتهى إلى الباب سمع كليلة يعاتب دمنة على ما كان منه، ويلومه على النميمة واستعمالها؛ خصوصاً مع الكذب والبهتان في حق الخاصة. وعرف النمر عصيان دمنة وترك القبول له. فوقف يستمع ما يجري بينهما فكان فيما قال كليلة لدمنة: لقد ارتكبت مركباً صعباً، ودخلت مدخلاً ضيقاً، وجنيت على نفسك جنايةً موبقةً، وعاقبتها وخيمةٌ؛ وسوف يكون مصرعك شديداً، إذا انكشف للأسد أمرك، واطلع عليه، وعرف غدرك ومحالك ، وبقيت لا ناصر لك؛ فيجتمع عليك الهوان والقتل، مخافة شرك، وحذراً من غوائلك؛ فلست بمتخذك بعد اليوم خليلاً، ولا مفشٍ إليك سراً؛ لأن العلماء قد قالوا: تباعد عمن لا رغبة فيه. وأنا جدير بمباعدتك، والتماس الخلاص لي مما وقع في نفس الأسد من هذا الأمر.
الزعيم
الزعيم
عضو متميز
عضو متميز

المساهمات : 123
تاريخ التسجيل : 05/10/2008

https://basma91.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى