saada
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كليلة ودمنة ( الجزء20)

اذهب الى الأسفل

كليلة ودمنة ( الجزء20) Empty كليلة ودمنة ( الجزء20)

مُساهمة  الزعيم الأربعاء أكتوبر 08, 2008 11:31 am

فلما فرغ دمنة من حمل الأسد على الثور، وعرف أنه قد وقع في نفسه ما كان يلتمس، وأن الأسد سيتحذر الثور، ويتهيأ له، أراد أن يأتي الثور ليغريه بالأسد؛ وأحب أن يكون إتيانه من قبل الأسد مخافة أن يبلغه ذلك فيتأذى به. فقال: أيها الملك ألا آتي بشتربة فانظر إلى حاله وأمره؛ وأسمع كلامه: لعلي اطلع على سره، فأطلع الملك على ذلك، وعلى ما يظهر لي منه? فأذن له الأسد في ذلك. فانطلق فدخل على شتربة كالكئيب الحزين. فلما رآه الثور رحب به، وقال: كان سبب انقطاعك عني? فإني لم أرك منذ أيامٍ؛ ولعلك في سلامةٍ! قال دمنة: ومتى كان أهل السلامة من لا يملك نفسه، وأمره بيد غيره ممن لا يوثق به، ولا ينفك على خطرٍ وخوفٍ. حتى ما من ساعة تمر ويأمن فيها على نفسه. قال شتربة: وما الذي حدث? قال دمنة: حدث ما قدر وهو كائنٌ. ومن ذا الذي غالب القدر? ومن ذا الذي بلغ من الدنيا جسيماً من الأمور فلم يبطر? ومن ذا الذي بلغ منياه فلم يغتر? ومن ذا الذي تبع هواه فلم يخسر? ومن ذا الذي طلب من اللئام فلم يحرم? ومن ذا الذي خالط الأشرار فسلم? ومن ذا الذي صحب السلطان فذام له منه الأمن والإحسان? قال شتربة: إني أسمع منك كلاماً يدل على أنه قد رابك من الأسد ريبٌ، وهالك منه أمرٌ. قال دمنة: أجل، لقد رابني منه ذلك، وليس هو في أمر نفسي، قال شتربة: ففي نفس من رابك? قال دمنة: قد تعلم ما بيني وبينك، وتعلم حقك علي، وما كنت جعلت لك من العهد والميثاق أيام أرسلني الأسد إليك، فلم أجد لك بداً من حفظك وإطلاعك على ما أطلعت عليه مما أخاف عليك منه. قال شتربة: وما الذي بلغك? قال دمنة: حدثني الخبير الصدوق الذي لا مرية في قوله أن الأسد قال لبعض أصحابه وجلسائه: قد أعجبني سمن الثور؛ وليس لي إلى حياته حاجةٌ، فأنا آكله ومطعم أصحابي من لحمه. فلما بلغني هذا القول، وعرفت غدره ونقض عهده؛ أقبلت إليك لأقضي حقك؛ وتحتال أنت لأمرك. فلما سمع شتربة كلام دمنة، وتذكر ما كان من دمنة جعل له من العهد والميثاق، وفكر في أمر الأسد، ظن أن دمنة قد صَدَقَهُ ونصح له؛ ورأى أن الأمر شبيهٌ بما قال دمنة. فأهمه ذلك؛ وقال: ما كان للأسد أن يغدر بي ولم آت إليه ذنباً، ولا إلى أحد من جنده، منذ صحبته؛ ولا أظن الأسد إلا قد حمل علي بالكذب وشبه عليه أمري: فإن الأسد قد صحبه قوم سوءٍ؛ وجرَّب منهم الكذب وأموراً هي تصدق عنده ما بلغه من غيرهم: فإن صحبة الأشرار ربما أورثت صاحبها سوء الظن بالأخيار؛ وحملته تجربته على الخطأ كخطأ البطة التي زعموا أنها رأت في الماء ضوء كوكبٍ، فظنته سمكةً، فحاولت أن تصيدها، فلما جربت ذلك مراراً، علمت أنه ليس بشيءٍ يصاد فتركته. ثم رأت من غد ذلك اليوم سمكةً، فظنت أنها مثل الذي رأته بالأمس، فتركتها ولم تطلب صيدها. فإن كان الأسد بلغه عني كذبٌ فصدقه علي وسمعه في، فما جرى على غيري يجري علي. وإن كان لم يبلغه شيءٌ، وأراد السوء بي من غير علةٍ، فإن ذلك لمن أعجب الأمور. وقد كان يقال: إن من العجب أن يطلب الرجل رضا صاحبه ولا يرضى. وأعجب من ذلك أن يلتمس رضاه فيسخط. فإذا كانت الموجدة عن علةٍ، كان الرضا موجوداً والعفو مأمولاً. وإذا كانت عن غير علةٍ، انقطع الرجاء: لأن العلة إذا كانت المودة في ورودها، كان الرضا مأمولاً في صدورها.

قد نظرت: فلا أعلم بيني وبين الأسد جرماً، ولا صغير ذنب، ولا كبيره. ولعمري ما يستطيع أحد أطال صحبة صاحب أن يحترس في كل شيءٍ من أمره، ولا أن يتحفظ من أن يكون منه صغيرةٌ أو كبيرةٌ يكرهها صاحبه؛ ولكن الرجل ذا العقل وذا الوفاء إذا سقط عنده صاحبه سقطةً نظر فيها، وعرف قدر مبلغ خطئه عمداً كان أو خطأً. ثم ينظر هل في الصفح عنه أمرٌ يخاف ضره وشينه? فلا يؤاخذ صاحبه بشيءٍ يد فيه إلى الصفح عنه سبيلاً. فإن كان الأسد قد اعتقد على ذنباً؛ فلست أعلمه؛ إلا أني خالفته في بعض رأيه نصيحةً له؛ فعساه أن يكون قد أنزل أمري على الجراءة عليه والمخالفة له؛ ولا أجد لي في هذا المحضر إثماً ما: لأني لم أخالفه في شيءٍ إلا ما قد ندر من خالفة الرّشد والمنفعة والدِّين، ولم أجاهر بشيءٍ من ذلك على رءوس جنده وعند أصحابه؛ ولكني كنت أخلو به وأكلمه سراً كلام الهائب الموقر وعلمت أنه من التمس الرخص من الإخوان عند المشاورة، ومن الأطباء عند المرض، ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ منافع الرأي؛ وازداد فيما وقع فيه من ذلك تورطاً ، وحمل الوزر. وإن لم يكن هذا، فعسى أن يكون ذلك من بعض سكرات السلطان: فإن مصاحبة السلطان خطرةٌ، وإن صوحب بالسلامة والثقة والمودة وحسن الصحبة. وإن لم يكن هذا، فبعض ما أوتيت من الفضل قد جعل لي فيه الهلاك. وإن لم يكن هذا ولا هذا، فهو إذاً من مواقع القضاء والقدر الذي لا يدفع عنه؛ وهو الذي يحمل الرجل الضعيف على ظهر الفيل الهائج؛ وهو الذي يسلط على الحية ذات الحمة من ينزع حمتها ويلعب بها؛ وهو الذي يجعل العاجز حازماً، ويثبط الشهم، ويوسع على المقتر ، ويشجع الجبان، ويجبن الشجاع عندما تعتريه المقادير من العلل التي وضعت عليه الأقدار.
الزعيم
الزعيم
عضو متميز
عضو متميز

المساهمات : 123
تاريخ التسجيل : 05/10/2008

https://basma91.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى